هموم اللغة العربية بين تعدد المناهج وتضارب القرارات
عقود طويلة والعربية تعانى فى بلادها، بسبب عوامل مختلفة، أهمها الاستعمار الذى حاول محوها جاهدا، وما زالت تواجه التحديات خاصة فى ظل التقدم العلمى والتكنولوجى، وطغيان اللهجات الشعبية فى التعاملات اليومية، مما يشكل تهديدا واضحا لها. فى هذا التحقيق متابعة لبعض مشكلاتها فى آراء الخبراء وأولياء الامور والطلاب.
فى البداية يرى د. السيد مختار القهوجى، أستاذ الأدب والنقد بآداب المنصورة، أن مشكلة العربية تكمن فى محتوى المناهج، وفى المدرس، ففى المحتوى هناك موضوعات لم يتم تطويرها منذ عشرات السنين، أما المدرس فالغالبية غير مدربة خاصة على النظام الجديد، الذى اهتم بالوسيلة التعليمية: التابلت، و المنصات التعليمية ، وأهمل الجوهر، إضافة إلى حرمان الطالب من التفكير والابتكار والإبداع لأن كل اسئلة الامتحانات اختيارية، وبالتالى حرم الطالب من التدريب على كتابة لغة أدبية فى صورة موضوعات تعبير تتضمن التدريب على أساليب بلاغية وصور جمالية.
يقول السيد حافظ كبير معلمى لغة عربية بإحدى مدارس الأقاليم: من أسباب أزمات العربية فى المناهج عدم انتظام الأطفال فى المدارس الابتدائية لأن الأسر تدفعهم إلى أعمال تدر الربح، ولا نستطيع معاقبتهم لأن الوزارة تمنع ذلك، ولو تم حل هذه المشكلة بإجبارهم على الانتظام فسوف يتمكن التلميذ فى نهاية المرحلة من أن يقرأ ويكتب بشكل سليم.
ويضيف أحمد على كبير معلمى اللغة الإنجليزية، من الخطأ إدراج الإنجليزية فى التعليم الابتدائى، أثقل هذا على الأطفال جدا، ولم يستطيعوا التركيز فى أى من اللغتين، ويجب التركيز على إصلاح حال معلم الابتدائى، ماديا وعلميا، لأنه اللبنة الأولى فى بناء مستقبل التعليم.
وتستكمل هيام عبد العزيز (ولية أمر)، اختلفت مناهج الأولاد عن مناهجنا القديمة، كنا ندرس موضوعات لها معنى، لم يكن بها هذا الحشو، حتى القصص المقررة على المراحل الثلاث اختلفت، نحن درسنا قديما قصة السيدة «خديجة بنت خويلد» وشكلت جزءا كبيرا من وعى الفتيات بحقيقة الحياة الزوجية الطيبة فى بيت النبوة، وأثرتنا بمعان جميلة، ودرسنا أيضا إحدى عبقريات العقاد، عبقرية عمر، وقصة «وا إسلاماه»، وكلها قصص دفعتنا للقراءة فيما بعد، لكن مع الأسف تم حذفها من المناهج الآن، ولم يعد هناك ما يشجع الطلاب على القراءة، بل أصبحت المناهج عبئا ثقيلا، يتمنون التخلص منه بانتهاء العام الدراسى.
ويرى أشرف زغلول (ولى أمر) أننا أضعنا اللغة يوم أهملنا الكتاتيب التى خرّجت لنا العظماء من كل ربوع مصر. ويقول هشام محمد (مدرس): من المفترض أن تكون المناهج موحدة للجميع، فلا توجد دولة تجعل التعليم متعدد الثقافات كما عندنا، مضيفا أن الدول التى تحافظ على لغتها وتحرص على هويتها لا تفعل ذلك أبدا.
وتنوعت آراء الطلاب بين الشكوى وطرح التساؤلات، فالطالب أحمد يحيى (بالأول الثانوى)، يرى أن الأمور الآن أكثر تعقيدا فى موضوع الحفاظ على اللغة العربية وتعليمها، فنحن الآن أمام منهج غير محدد، وامتحان لن يكون من داخله، بالإضافة لمشكلات أخرى مثل تأخر تسلُم التابلت، وبعض القرارات المتضاربة، مثل حذف القصة المقررة عنترة بن شداد، ثم إلغاء قرار حذفها قبل الامتحان بأيام قليلة، فكيف يمكن قراءة قصة والامتحان فيها بعد أيام معدودة؟
وأخيرا يقول د. القهوجى: المنهج الحر الموجود الآن لا يعد منهجا دراسيا، فالطالب غير مدرب على البحث عن عشرات النصوص، وموضوعات القراءة والنحو بشكل حر من بنك المعرفة، والمواقع المختلفة، إضافة إلى عدم وجود شبكة إنترنت جيدة فى مناطق كثيرة بمصر، خاصة المناطق النائية، مما قد يسبب انعدام فرص التعليم الجيد للجميع، ويحرم الفقراء من أن يصبحوا علماء بسبب فقرهم.