اقتحام «خط العشوائيات» المنيع!
ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية فى «عزبة الهجانة»، يستحق التوقف بالفحص والدرس، فيحسب لدولة 30 يونيو أنها استطاعت اقتحام ملفات ومناطق شائكة لم تستطع أي من الأنظمة السابقة أن تقتحمها، بنفس الأسلوب وتحقق هذه النتائج.
لا أعتقد أن هناك حاكمًا فى تاريخ مصر الحديث، استطاع أن يقتحم منطقة عشوائية ويتنقل بين أرجائها سيرًا على الأقدام، وبرفقته مجلس الوزراء بالكامل، فى إشارة إلى أن المعركة قد بدأت بالفعل. هذه حقيقة فعلًا. فلولا شجاعة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وإيمانه بأن أي مشكلة يمكن حلها بشرط أن يتوافر فيها عنصران أساسيان، الأول هو التشخيص الفعلى لها والثانى هو إيمان القائمين بتنفيذ هذا الحل بهذه القضية من الأساس.
الرئيس السيسي اطلع خلال الجولة على تلك المنطقة غير المخططة ذات الكثافة السكانية العالية، موجهًا بالاستمرار فى نهج الدولة وجهودها فى تطوير كل المناطق العشوائية وغير الآمنة، وغير المخططة المنتشرة على مستوى الجمهورية، من كل الجوانب، وكذلك الوقوف على حجم الجهود المطلوبة لتغيير واقع تلك المناطق على نحو يرتقي بالأحوال المعيشية اليومية للمواطنين بها.
القضية عميقة ومعقدة، وتمثل إرثًا متهالكًا لكل من الأنظمة السابقة، التى تركت العشوائيات تنمو وتتضخم وتستفحل، لدرجة يصعب معها العلاج، بل إنها تُركت لـقوى الظلام، لتكون محلًا لإعلان «دولتهم المزعومة» مستغلة الفقر والجهل وانعدام الخدمات.
ليس هناك أصدق مما قاله خالد صديق، مدير صندوق تطوير العشوائيات، عن تفقد الرئيس لأعمال تطوير عزبة الهجانة: «إن الحكومات السابقة كانت ترى أنه من المستحيل فتح هذا الملف، وإن حجم العشوائيات تضاعف فى الفترة من ثورة يناير 2011 وحتى الآن عن الـ30 سنة الماضية، «دلوقتى بنشيل شيلة زمان»!
وعن اختيار عزبة »الهجانة« قال إنه كان لا بد أن يأتى أحد ويفتح ملف هذه المنطقة حتى يتم العمل بها، و»لو انتظرنا خمس سنوات أخرى لأصبحت المشكلة أعظم ولن نتمكن من حلها».
اللافت فى هذه التصريحات هو التأكيد على أن الدولة دخلت فى مرحلة الطموح العمراني، وأن الهدف من مشروعات تطوير المناطق العشوائية يتمثل فى تحقيق حياة أفضل للمواطنين، وأنه سيتم وضع جدول زمنى لمنطقة عزبة الهجانة، بناءً على رؤية وخطة تنفيذية، وأن رؤية مصر 2030 ستغير الدولة تمامًا.
فى أزمنة متعاقبة كانت العشوائيات هى الفيصل فى أى مفاوضات، كانت تلك المناطق هى عنصر النزاع، ودائرة الخلاف للوصول إلى قلب البسطاء والسيطرة على عقولهم وتفكيرهم وفصلهم عن الدولة الأم عن طريق التحريض والسيطرة بالخدمات التى عجزت عنها الدولة وتوفيرها لهم، ولكن بشرط واحد هو الخضوع التام والسيطرة على هذه العشوائيات، لتكون الأداة التى تستخدم ضد الدولة فى المستقبل.
هذه المناطق العشوائية تم استخدامها على مدى عقود طويلة، لتربية وإعداد الكوادر المنفذة للعمليات الإرهابية التى شهدتها مصر، بل أن هذه المناطق أصبحت مأوى لكل هارب من العدالة أو خارج على القانون. هذه هى الحقيقة التى لا يجب أن تغيب عن أذهاننا، هذه هى الحقيقة التى هربت منها حكومات وأنظمة من قبل، بل تركت الحبل على الغارب لكل من يرغب فى إحكام السيطرة على هذه المناطق بكل سهولة وبكل يسر.
هذه المناطق لم يستغلها الإسلام السياسى فحسب، بل كانت ثغرات للطعن من جانب القنوات المعادية لمصر، وهو ما دفع الرئيس للقول «بيعيرونا بفقرنا.. بس أنا مش هسكت»، وعد وقسم قطعه الرئيس ولم يمض الكثير إلا وأعلنت الدولة عن خطتها الشاملة لتطوير العشوائيات.
اقتحام هذه القضية، لا يقل فى اعتقادى عن اقتحام المصريين لخط «بارليف المنيع» ، فكلاهما كان مصدر هزيمة، وكلاهما وراءه عدو يحتمى به،
وعبوره هو نصر لكل المصريين ..قبل أن يكون انتصارًا لنظام حكم.