بعد مرور عام على اندلاع جائحة كورونا، من المهم الآن مراجعة مدى استجابة الدول للتعاطي مع إدارة الأزمة، وبشكل عام، فإنه يمكن القول بأن الدول التي تبنَّت إرشادات واضحة ومبكرة أبلت بلاءً حسناً، أما تلك الدول التي سيَّست الأزمة أو اتخذت قرارات متسرعة، فقد شهدت ارتفاعاً مضطرداً في الإصابات والوفيات، والواقع أن تعامل كل دولة مع الجائحة لم ينفصل أبداً عن نمط القيادة الموجود قبل كورونا، مما يجعلنا الآن نفتح كشف حساب حول مدى الاستجابة العالمية للتعاطي مع أخطر أزمة في القرن الحادي والعشرين.
نموذجين مُهمِّين نجحا في إدارة الأزمة، الأول كوريا الجنوبية التي تجنبت عمليات الإغلاق عندما أبلغت مواطنيها بوضوح عن تهديدات الوباء القاتل في وقت مبكر من يناير2020، وشجَّعت على استخدام اللثام للرجال، والأقنعة للنساء، والتي كانت شائعة الاستخدام بالفعل أثناء تفشي وباء سارس السابق، وسرعان ما أطلقت الدولة الآسيوية تطبيقًا لتتبع المخالطين للمصابين بالفيروس، وجرى الإبلاغ بعناية عن كل تغيير في مستوى التأهُّب الرسمي، مصحوبًا بنصيحة جديدة بشأن الاتصال الاجتماعي، من قبل مركز مكافحة الأمراض في البلاد.
انعكست شفافية النهج الكوري في إدارة الأزمة على غانا، الواقعة غرب أفريقيا، حيث تولَّى الرئيس نانا أدو بنفسه مسؤولية إدارة الملف، وشرح بعناية كل الإجراءات المطلوبة، وكان أمينًا بشأن التحديات التي واجهتها بلاده، وقال الرئيس: «نحن نعرف كيف ننعش الاقتصاد. وما لا نعرفه هو كيفية إعادة الناس إلى الحياة»، والقاسم المشترك بين الحكومتان الكورية والغانية، أنهما تبنَّتا موقفًا متَّسقًا سلَّط الضوء على مخاطر الجائحة، واقترحا بشكل عملي كيفية التخفيف من حدتها، وبخلاف هاتان الدولتان، ارتكبت حكومات الدول سيئة الأداء، خطيئة الرضا عن النفس، وقدَّمت لشعوبها رسائل غير متسقة حول خطورة الأزمة.
في مارس 2020، وقبل ثلاثة أسابيع فقط من إغلاق البلاد والإصابة شخصيًّا بالوباء، قلل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، من أهمية التهديدات، مفتخراً بأنه كان يصافح الأشخاص المصابين، بالمخالفة لتوصيات مستشاره الصحي، مما أدى إلى تعرُض جونسون لانتقادات حادة بسبب البطء الشديد في التحرك لمواجهة الموجتين الأولى والثانية من الجائحة واتهمه البعض بإعطاء الأولوية للاقتصاد على حساب الصحة، وهكذا، فإن المملكة المتحدة تعد اليوم واحدة من أعلى دول العالم في معدلات الوفيات.
أما في البرازيل، التي سعى رئيسها جايير بولسونارو لتجنب الإغلاق الكامل، فقد دعا الرئيس مواطنيه إلى مواصلة حياتهم الطبيعية، في تحدٍ عجيب لإرشادات الخبراء الصحيين وفي مسعى مكشوف لاستقطاب الآراء الحزبية، ودفعت هذه الممارسات البرازيليين إلى عدم الثقة في المعلومات الرسمية ونشر معلومات خاطئة، في حين أصبح الالتزام بتدابير الاحتواء قضية أيديولوجية أكثر من كونها قضية صحة عامة.
في غضون ذلك، أعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إغلاقًا سريعًا قبل أن يحين موعده بأربع ساعات فقط، مما أثار أزمة هجرة داخلية، حيث غادر العمال الفقراء المدن للسفر آلاف الكيلومترات للوصول إلى منازلهم الريفية، فقد أعطى العمال الأولوية لخوفهم من التشرد والمجاعة على خوفهم من خطر انتشار الوباء، وهكذا، لم تأخذ هذه الاستجابات الثلاث من قبل بريطانيا والبرازيل والهند، في الحسبان تأثيرَ كورونا على المجتمع، ولم تراعِ أن المصداقية تُكتَسَب بتطابق الأقوال مع الأفعال، ولا شك أن النتائج السيئة في كل حالة انعكاس جزئي لأخطاء القيادة السياسية.
بالطبع، لم تكن تطورات الجائحة مرتبطة بالإدارة الجيدة أو السيئة للقادة السياسيين وحدهم، حيث لعبت النظم الصحية والتركيبة السكانية دورًا مهماً، ولم يكن لدى البلدان الأكثر تضررًا نقاط ضعف استراتيجية فقط، بل كانت أيضًا محاور نقل عالمية ووجهات سفر شهيرة، وهذه كانت حال لندن ونيويورك وباريس، وبالنظر إلى الماضي، فإن الحكمة كانت تقتضي إغلاق الحدود، بالرغم من أن نصيحة منظمة الصحة العالمية كانت عكس ذلك.
من الواضح أن القادة السياسيين الذين تبنُّوا إرشادات واضحة ومبكرة برعاية الخبراء، وبأسلوب متسق ومتعاطف مع نفسية شعوبهم، كان أداؤهم جيدًا واستطاعوا تخفيف آثار الوباء الكارثية صحياً واجتماعياً واقتصادياً، في الوقت الذي استمر فيه أولئك القادة الذين سيَّسوا الجائحة، أو أظهروا تفاؤلًا جامحًا، أو اتخذوا قرارات متسرعة، في قيادتهم المتهورة التي أودت بمواطنيهم إلى تسجيل أكبر عدد من الإصابات والوفيات، ولا شك أن الشفافية وحدها لا تكفي إذا لم يترافق معها منظومة متكاملة في إدارة الأزمات.