أبو شحادة: خطاب عرب الأحزاب الصهيونية استهدافً لتاريخنا النضالي كحركة وطنية في الداخل
حذّر النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي سامي أبو شحادة من القائمة المشتركة عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، من الخطاب السياسي لعرب الأحزاب الصهيونية الذي عاد للظهور بعد سنوات طويلة من النضال الذي خاضته الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، بفعل دخول الحركة الإسلامية الجنوبية في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد بقيادة عباس منصور.
وقال أبو شحادة في حوار معه لزاوية “في ضيافة مفتاح” أنه من الخطأ الاعتقاد بأن هناك جديد من انضمام عباس منصور والحركة الإسلامية الجنوبية إلى ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فكل ما يحدث يقتر إلى الخطاب السياسي الذي استخدمه عرب الأحزاب الصهيونية على مدار عشرات السنوات.
كانت هناك أحزاب محسوبة على الأحزاب الصهيونية حتى في خمسينيات القرن الماضي.، ولسرقة أصوات العرب قام الحزب الحاكم آنذاك “مباي” بالعمل على قوائم عربية مرتبطة به، وكانت على ما أعتقد تحمل ذات الاسم أي القائمة العربية الموحدة. وعملياً هذا النوع من الخطاب السياسي الذي يزعم بأن التأثير السياسي قد يكون فقط من داخل الائتلاف كان في الواقع ادعاءً كلاسيكياً لعرب الأحزاب الصهيونية، وبالفعل كان هناك الوزير غالب مجادلة، إضافة إلى عرب آخرين في الائتلاف الحكومي واحتلوا مناصب مهمة في أحزاب الليكود والعمل وميرتس”.
وأضاف شحادة:” برأيي العقلية والمفردات السياسية وكذلك الخطاب متشابهين، لكن الجديد هو تبني الحركة الإسلامية الجنوبية لهذا الخطاب وابتعادها بعض الشيء عن خطابها السياسي نفسه، دون أن يكون هناك تفسير لهذا التغيير. لقد سمعنا منهم خلال وجودهم في القائمة المشتركة بأن هناك نهجاً جديداً، وحين توجهنا لمنصور عباس نستفسر منه عن طبيعة هذا النهج ولماذا يتم تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وطالبناه من موقع شراكته معنا أن يعرّفنا على هذا النهج، وأن يقدم لنا ورقة بهذا الخصوص لكنه رفض.
في الواقع هناك نهج جديد مبني كثيراً على أمور قديمة اتبعتها عرب الأحزاب الصهيونية، في الداخل، وهذا النهج غير واضح لنا كقائمة مشتركة، بل أن عضواً في قائمة منصور عباس وهو سعيد الخروم من النقب رفض التصويت لصالح حكومة بينيت لبيد. ومن هنا، من المهم تذكير الناس بأن ذلك الخطاب الذي اعتقدنا أننا انتهينا منه بعد نضال طويل للحركة الوطنية في الداخل تعيده الآن الحركة الإسلامية الجنوبية”.
تحديات الواقع الجديد
يرى عضو الكنيست أبو شحادة، أن التحديات الجديدة التي يفرضها الواقع الجديدة كثيرة، لكن أبرزها الخروج عن الإجماع حول الثوابت الوطنية، وتقديم خطاب سياسي يشتمل على عدة مشاكل. القضية الأولى وهي الأهم، أنه يستهدف تاريخنا النضالي على مدار ثلاثة وسبعين عاماً، ولهذا بات هؤلاء يكررون جملة واحدة (إلكم 73 سنة إيش عملتوا). وهي عملية تتضمن استحقاراً وتهميشاً لكل ما قامت به الحركة الوطنية لفلسطينيي الداخل منذ النكبة وحتى الآن، وهذا أمر خطير جداً. الآمر الآخر هو الادعاء بأن التأثير السياسي يكون فقط من داخل الائتلاف. أي عليك أن تتبنى الخطوط العريضة للحكومة والواضح لك ولمجتمعك أن هذا الائتلاف هو ضدك وضد مصالح شعبك. نحن كنا دائماً نعمل على رفع السقف، ونحاول كسر الحدود التي ترسمها لنا الحركة الصهيونية. لقد تخطت الحركة الإسلامية الجنوبية هذه الحدود التي وضعناها، وتبنت قانون القومية، وبالتالي قبلت بهذا المستوى من الدونية، ومن الرضوخ للفوقية اليهودية، كما قبلت قواعد اللعبة العنصرية، وهذا في الواقع يقسمنا إلى عرب معتدلين وعرب متطرفين. وبعبارة أخرى هناك عرب معتدلون يتقبلون الدولة اليهودية، أما العرب المتطرفون فيناضلون من أجل المساواة”.
بناء الوحدة الوطنية لفلسطينيي الداخل
وفق تقديره، يرى أبو شحادة، أن هبّة الكرامة فتحت المجال من جديد على أهمية إعادة تنظيم الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، وهذا أهم إنجاز تحقق، لأنه صار هناك مجال فرض على الجميع كقيادة لهذا الجزء من أبناء الشعب العربي الفلسطيني الجلوس سوياً ومراجعة البرنامج السياسي لجميع القوى والأحزاب سواء التجمع الوطني الديمقراطي، أو حركة أبناء البلد، والشخصيات الوطنية والمستقلة. فما يجمع هذا الكل أكثر مما يفرّقه. نحن قادرون على أن نتوحد حول استراتيجية نضالية موحدة، من خلال برنامج سياسي موحد. لقد قلت مرات عديدة أن إحدى نقاط الاختلاف هي قضية ذهابنا أو عدم ذهابنا إلى الكنيست. نحن نستطيع أن نناقش هذا الموضوع بجدية، وعلى استعداد لإعادة النظر واتخاذ قرار جماعي بهذا الشأن، وبالتالي حيثما تكون الأغلبية في الحركة الوطنية سيكون التجمع الوطني الديمقراطي”.
أضاف:” أمر آخر لا بد من الإشارة إليه، وهو أنه بات لدينا الكثير من الحركات الصغيرة، وللأسف، كي تشرّع هذه الحركات وجودها أصبحت تبرز كل ما هو خلافي وتتناسى تماماً كل ما نتفق عليه، علماً بأننا متفقون بنحو 99% من الحالات. الآن بات هؤلاء يريدون تبرير وجودهم فأصبحوا يزاودون، وبعدنا عن خطاب سياسي أو نقاش سياسي موضوعي. نحن بحاجة جميعاً أحزاباً وحركات وكل من يرى نفسه بأنه جزء من الحركة الوطنية في الداخل إلى أن نضع كل الأمور على الطاولة وأن نتفق على برنامجنا السياسي، وأنا سأبادر قريباً للقاء من هذا النوع بين مجموعة من المثقفين من كل الحركات لنتبادل الآراء حول ما جرى مؤخراً، وصولاً إلى إمكانية توحيد الحركة الوطنية لفلسطينيي الداخل”.
العلاقة مع الحركات الشبابية
يرى أبو شحادة، أن العلاقة مع الحركات الشبابية هي جزء من نضاله وتاريخه وكان واحداً ممن ساهموا فيها ويقول:” كابن لهذه الحركة أنا تربيت في هذه الحركات وأسست جزءاً منها، سواء حركة الشباب اليافاوية أو العمل الطلابي “جفرا” بجامعة تل أبيب. وبالتالي أرى في هذه الحركات الأمل لمشروعنا الوطني. ولكن لدينا عدة مشاكل مع هذه الحركات أولاها وجودها خارج أي إطار سياسي، وثانيها ليس لديها مشروعاً سياسياً واضحاً متفق عليه. أقدّر جداً الروح العالية من التضحية عند الشباب واستعدادهم للنضال وشعورهم بأنهم جزء من القضية وهذا أساس يبنى عليه، ولكن إذا لم يتم مأسسته فسنخسر كل هذا الحراك. لذلك علينا كقيادات أن نفتح الأبواب في كل الأحزاب والحركات السياسية لهؤلاء الشباب، وإذا هم غير راضين عن أي حزب، فلينشئوا حزباً جديداً ونحن معهم. ولكن بدون تأطير هذا العمل ومأسسته سيذهب كل هذا المجهود هباءً” ويضيف أبو شحادة لقد تغيّر العالم كثيراً وجزء من قيادتنا في الداخل الفلسطيني وكذلك قيادة الفصائل الفلسطينية فقد التماس المباشر مع الجمهور، خاصة مع الشباب الذي يشكل النسبة الأكبر من هذا الجمهور. لقد عاش هؤلاء الشباب تجربة مختلفة كلياً عن التجربة التي عاشتها القيادة وبات هناك بعد جديّ بين القيادة والشباب. ومن التجربة الشخصية المعاشة، فقد كانت كتابة منشور بالنسبة إلى مشروع عمل بحد ذاته يتطلب طباعته وتدقيقه لغوياً وتوزيعه جهداً كبيراً، لكن ما يحدث اليوم في عالم الاتصال الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي قلب الأمور رأساً على عقب، وباتت كتابة المنشور ومراجعته وتوزيعه تتم في لحظات. فهذا عالم جديد، وهذه ثقافة ولغة مختلفة. وإذا أردت علاقة مع هؤلاء الشباب عليك أن تعيش معهم، وتقترب منهم. هناك أمور وثوابت أساسية موجودة نتفق عليها مع هؤلاء الشباب. فمطالبنا وثوابتنا السياسية واحدة. من هنا يجب ترتيب هذه العلاقة، وعلينا دور أن نعطيهم مكاناً أوسع في قيادة العمل والنضال.
هبّة الكرامة: ثلاث جهات إسرائيلية اعتدت على فلسطينيي الداخل فيما يتصل بالعلاقة مع الاحتلال وما تركته هبّة الكرامة من تأثير على فلسطينيي الداخل الذي كانوا عرضة لاستهداف عنيف من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ومن جهات إسرائيلية أخرى يوضح أبو شحادة:” من المهم أن نوضح للجميع أن الاعتداءات على الفلسطينيين في الداخل تمت من ثلاث جهات: الأولى من قبل الشرطة وأجهزة الأمن والشاباك، وكانت غير قانونية وغير إنسانية واتسمت بالعنف الشديد وتتناقض حتى مع القانون الإسرائيلي ذاته كما تتناقض مع القانون الدولي، وكان هناك عدد كبير من الجرحى بفعل إطلاق الرصاص على المتظاهرين بكثافة.
أما الجهة الثانية التي اقترفت اعتداءات واسعة على المواطنين خاصة في المدن المختلطة، فكانت من المستوطنين الذين انتظموا بأعداد كبيرة داخل المستوطنات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وأتوا بأعداد كبيرة لهدف واحد وهو الاعتداء على أبناء شعبنا في هذه المدن.، خاصة في مدينة اللد الذين نلهم من هذه الاعتداءات نصيب الأسد، بالإضافة إلى ما تعرضت له مدن أخرى، كيافا وحيفا والرملة وعكا. لقد اعتدى هؤلاء المستوطنون علينا وعلى أملاكنا ومقدساتنا بشكل كبير جداّ ولم تتم محاسبتهم بتاتاً. فالشهيد موسى حسونة من مدينة اللد تم إطلاق النار عليه من قبل هؤلاء المستوطنين وليس من الشرطة الإسرائيلية. إضافة إلى أن عدداً كبيراً من الجرحى في مدينة اللد أصيبوا برصاص المستوطنين، أما في يافا فكانت اعتداءات هؤلاء تتم بحماية الشرطة، وبالتالي لدينا نوع جديد من الاعتداءات التي يقترفها المستوطنون بحماية الشرطة.
أما النوع الثالث من الاعتداءات فهو الذي اقترف، فكان من قبل مواطنين إسرائيليين عاديين، كما حدث مع شاب من مدينة الرملة اعتدى عليه سكان بناية يقطنون مع عائلته في ذات البناية، وحين نقل إلى المستشفى تقاعس الأطباء الإسرائيليون هناك عن علاجه وتعاملوا معه كمعتدي”.
هبّة الكرامة: اعتقالات بالآلاف وعنف غير مبرر
لقد تركت هبّة الكرامة الأخيرة ندوباً شديدة في العلاقة بين السلطة الحاكمة في إسرائيل وفلسطينيي الداخل، خاصة تعامل أجهزة الدولة بسياسة القبضة الحديدية في مواجهة الهبّة الشعبية، كان من أبرزها القيام بحملات اعتقال طالت الآلاف من فلسطينيي الداخل. يقول أبو شحادة:” لدينا أكثر من 2200 معتقل تم اعتقالهم في أعقاب الهبّة، ومع ذلك ومع كل التزييف والتضليل الذي مورس لتبرير هذه الاعتقالات لم تستطع الدولة فتح ملفات بحقهم، إذ أن 90% من هؤلاء تم إطلاق سراهم، في حين قدمت لوائح اتهام ل10% من المعتقلين وجميعها لوائح اتهام مفبركة، في حي أن الهدف من كل هذه الاعتقالات هو الترهيب فقط، وهو ما أظهرته طريقة الاعتقال وما واكبها من ممارسات عنف شديد من قبل الشرطة بحق المعتقلين وعائلاتهم وممتلكاتهم من ضرب وتنكيل وتدمير للممتلكات”.
تأثيرات كبيرة
فيما تركته هذا الاعتداءات على فلسطينيي الداخل من تأثيرات قال أبو شحادة:” من كان متماشياً مع تيار الأسرلة وصل إلى نتيجة مفادها بالتوقف عن السير في هذا الاتجاه. لقد أدرك هؤلاء أن ما تقوله الحركة الوطنية في الداخل في قراءتها للخارطة هو الصحيح. لقد شعرت هذا على المستوى الشخصي من خلال استعداد الناس للاستماع إلى تحليلي وخطاباتي، وهو أمر لم يكن موجوداً قبل شهر ونصف. وأعداد الناس الذين يحضرون الندوات السياسية هم الآن عشرات الأضعاف، وبالتالي بات هناك استعداد كبير جداً من قبل المواطنين لوقف الانجراف الذي كان باتجاه الأسرلة، وأن تعود للخطاب الوطني وتشجعه وتصغي له بشكل جدي وتتقبل هذا النوع من التحليل ما يمكن اعتباره فرصة تاريخية وعلينا أن نبني عليها من خلال فتح أفق جديد وأمل للنضال، حيث أن اللغة القديمة لم تعد مجدية”.
آفاق جديدة من النضال الوطني لفلسطينيي الداخل
يعتقد أبو شحادة، أن هناك آفاقاً جديدة من النضال الوطني لفلسطينيي الداخل يجب ألا يتم تفويته. يقول” نحن نريد أن نفتح للناس آفاقاً جديدة للنضال. ففي الساحة الدولية مجبورون نحن فلسطينيو الداخل أن نعطي هذه الساحة ثقلاً لم نعطه أبداً في السابق. نريد أن نفتح هذا الآفاق، ولذلك توجهنا إلى موضوع المطالبة بحماية دولية بعد كل هذه الاعتداءات التي أشرنا إليها. وسنفعّل عملنا على الساحة الدولية بشكل مختلف للمطالبة بتوفير هذه الحماية وبناء علاقات مع أحزاب ومؤسسات حقوق الإنسان في الخارج ليدركوا بأننا موجودون، ولنحرج إسرائيل على الساحة الدولية بسبب التمييز العنصري الذي تمارسه اتجاه مواطنيها من الفلسطينيين، علماً بأن لدينا مجالاّ وخطاباً سياسياً ديمقراطياً وإنسانياً بات الكل مستعد أن يسمعه، وبالتالي فتح ملف تدويل قضية فلسطينيي الداخل يفتح باب أمل للناس.
الأمر الآخر الذي لا بد أن نعمل عليه ونكثف جهودنا فيه، هو تعامل قيادة الداخل الفلسطيني مع شعبها ومع الحراكات الشبابية. علينا أن نحترم الشباب وأن نسمع لهم ونحسن الاستماع لمطالبهم السياسية لأنهم يشعرون بأنهم جزء من هذا البرنامج، والعمل على إعادة توحيد الحركة الوطنية لفلسطينيي الداخل المشرذمة، وهذا أيضاً يفتح أفقاً جديداً. حاليا نعمل في هذه الاتجاه ولدينا تصور ما، لكن مواردنا ضعيفة جدا في مقابل دولة تمتلك موارد ضخمة ولا تقارن بما لدينا. نحن بحاجة للدعم من أهلنا وناسنا في الشتات وفي كل مكان، وليس المقصود بالعم هنا الدعم المادي فقط، بل أن يساعدنا كل من له باع في العمل الدولي بأن يمنحنا جزءاً من وقته بمن في ذلك من لهم تجربة غنية في العمل لدى المؤسسات الحقوقية على الساحة الدولية لتدويل ملف فلسطينيي الداخل”.
الموقف الأميركي الجديد من فلسطينيي الداخل
لقد أبرزت هبّة الكرامة وما تعرض له فلسطينيو الداخل من حملات قمع وتنكيل تطوراً جديداً ومهماً في الموقف الأميركي من قضيتهم كما يقول عضو الكنيست أبو شحادة:” كان هناك تصريحات جديدة ومهمة بهذا الشأن من قبل الرئيس الأميركي بايدن ووزير خارجيته بلينكن حيال الفلسطينيين في الداخل لم نعتد عليها في السابق الذين يذكرون لأول مرة. لقد صرّح بلينكن بشيء نراه أقل خطورة مما صرح به بايدن. فوزير الخارجية الأميركية دعا الحكومة الإسرائيلية للتعامل بمساواة مع العائلات المسيحية والمسلمة في الداخل. بينما نحن كنا نفضل ألا يتعامل معنا كطوائف بل كجزء من الشعب الفلسطيني، ومع ذلك هو تصريح جيد ويبدو أنهم باتوا يروننا ويدركون أن هناك شعباً آخر. الأمر الآخر هو التصريح الخطير للرئيس بايدن الذي قال أنه لن يكون هناك سلام ما لم يكن هناك اعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. هذا التصريح لم نقبل به لأنه يعني دعم الأميركيين للعنصرية الإسرائيلية اتجاه نحو 20% من سكان إسرائيل أو الدولة اليهودية التي يريد الرئيس الأميركي منا الاعتراف بها كدولة لليهود. نحن لسنا يهوداً، وإقامة الدولة اليهودية أقيمت على أنقاض أرضنا وشعبنا. نحن أقلية قومية نعاني من التمييز العنصري في كل مجالات الحياة بسبب قانون القومية وقوانين عنصرية أخرى اتجاهنا لأنها دولة يهودية. والحفاظ عليها كدولة يهودية يحافظ على هذه العنصرية اتجاهنا تاريخياً ويمنعنا من المساواة، ولذلك نحن نريد اعترافاً بإسرائيل كدولة ديمقراطية. وفي هذا السياق، نحن قدمنا برنامجاً يتم من خلاله تحويل إسرائيل من دولة عنصرية إلى دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها عرباً ويهوداً”.
نريد حكماً ذاتياً ثقافيا وليس حكماً ذاتياً سياسياً أو اقتصادياً بالنسبة لعضو الكنيست أبو شحادة، فإن الاعتراف بفلسطينيي الداخل لا يعني بأي حال حكماً ذاتياً لاستحالة ذلك، لكن المطلوب هو استقلال ثقافي كما يقول. مضيفاً:” حكم ذاتي لفلسطينيي هو أمر صعب جداً. لماذا؟ لأننا غير مركّزين جغرافياً ولا في أي مكان. نحن منتشرون بكل فلسطين التاريخية، وبالتالي من الصعب أن تديره بحكم هذا الانتشار الذين يتوزع على المدن المختلطة، وفي المجالس الإقليمية العربية اليهودية. ولذلك حكم ذاتي سياسي صعب، واقتصادي أيضاً صعب جداً، لأننا أيضاً مرتبطون ارتباطاً عضوياً في الاقتصاد الإسرائيلي. نحن قدمنا رؤيا أخرى، حيث نطالب بحكم ذاتي ثقافي. معنى الحكم الذاتي الثقافي في حالة الفلسطيني في الداخل هو أن يتوقف الشاباك عن كتابة برامج التعليم الخاصة بنا، لأن من حقنا كباقي الأقليات في العالم أن ندرس تاريخنا ولغتنا العربية لأولادنا بحيث يصير أبناءنا يحبون اللغة العربية، وأن نعلمهم الشعر والأدب الذي نراه صحيحاً. نحن نطالب بحكم ذاتي ثقافي نضع من خلاله مناهجنا في المدارس، وأن يكون لنا مؤسسات ثقافية وطنية من مسرح وسينما وإعلام، وحتى محطة تلفزيونية كما كل شعوب العالم التي تملك محطات تلفزة كي نوصل من خلالها رسالتنا إلى الآخرين.
توقف إطلاق النار.. لكن المعركة على الرواية مستمرة
لئن تحقق وقف إطلاق النار – كما يقول أبو شحادة – إلا أن المعركة على الرواية لا زالت مستمرة. يضيف:” من المهم جداً تحديد المعتدي وكذلك الضحية. ومن الهم أيضاً توثيق الاعتداءات والخروج بروايتنا لكل الإعلام وفي المقدمة منه الإعلام الأجنبي، وتحضير ملف للجنة تقصى الحقائق التابعة للأمم المتحدة والتي ستحقق فيما اقترف من اعتداءات وانتهاكات بحق فلسطينيي الداخل من قبل الدولة التي هم مواطنوها والمفترض أن تحميهم لا أن تعتدي عليهم.
لقد اتخذت مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ولأول مرة قراراً تاريخياً بأن تقوم لجنة تقصى الحقائق بفحص ما جرى على جانبي الخط الأخضر، ودورنا اليوم أن نوثق بصورة مهنية كافة الاعتداءات علينا من قبل الشرطة وجهاز الشاباك والمستوطنين ومن المواطنين الإسرائيليين العاديين. فالقضية ليست مجرد من أطلقت النار عليه، حيث هناك شهداء وجرحى، إنما هناك أيضاً من اعتدي على بيوتهم وممتلكاتهم ومن فصلوا من أعمالهم بطرق مهينة سواء من أرباب العمل الإسرائيليين، وحتى من جهاز القضاء الذي تعامل بمكيالين خلال نظره في القضايا التي رفعت إليه. ففي الوقت الذي مكث فيه قاتل الشهيد حسونة ثلاثة أيام في الاحتجاز وجرى إطلاق سراحه، اعتقل فتية فلسطينيون أعمارهم أقل من 14 عاماً ومكثوا في الاعتقال تسعة أيام على لوائح اتهام تضمنت رشق حجارة لم تسفر عن إصابات. نحن نريد أن نوثق كل هذه الانتهاكات، وأن نقول للعالم بأن ممارسات إسرائيل ضد فلسطينيي الداخل أكدت ما نذهب إليه بأن هذه الدولة لم تقم بواجبها في حماية جزء من مواطنيها، بل هي تقوم بالاعتداء عليهم. وبالتالي إمكانية محاسبة هذه الدولة واردة في القانون الدولي، كما أن توفير الحماية الدولية لنا ممكنة من خلال إرسال مراقبين دوليين ليتابعوا ويراقبوا عمل الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية”.
هبّة الكرامة حطمت الحواجز والحدود
أكدت هبّة الكرامة –كما يقول أبو شحادة – إلى حالة غير مسبوقة من الوحدة الوطنية في فلسطين التاريخية بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد. أضاف:” من أجمل ما شهدته هبّة الكرامة هو التواصل الفلسطيني سواء في فلسطين التاريخية وفي جميع أماكن تواجد شعبنا في الخارج. فشبكات التواصل الاجتماعي حطمت جميع الحواجز والحدود وبدا واضحاً ذلك من هذا الارتباط الوثيق بين فلسطينيي الداخل وأهلنا في القدس وبرأيي هذا أمر استراتيجي وهام ويجب أن يبنى عليه أيضاً في معركة الدفاع عن الوجود. أذكر أنه في شهر رمضان وحين وصلنا إلى القدس كان هناك عشرات الآلاف من مواطني الداخل هناك، مع قناعة لديهم بأنّ لهم دوراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً. وبالتالي دورنا هذا يفتح أفقاً سياسياً كما يفسح المجال لبناء جبهة عريضة من النضال يمكن أن نطلق عليها جبهة مكافحة الأبرتهايد الإسرائيلي، وهذه الجبهة يمكن أن تكون أكبر من جبهة فلسطينيي الداخل وحدهم، وأن ينضم إليها بعض اليهود المعارضين للصهيونية، وسيكون لها ثقلها السياسي استراتيجياً يعطي دعماً لم يعارضون إسرائيل في دولهم بالخارج.
حكومة بينيت لبيد: كل السيناريوهات مفتوحة
وفيما يتعلق بمستقبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة بينيت لبيد يرى أبو شحادة، أن مستقبل هذه الحكومة مفتوح على كل السيناريوهات. فنتنياهو لا زال لاعباً سياسياً قوياً قادراً على القيام بعمل استراتيجي. ورغم ذلك، بات في هذه الحكومة شركاء في شراكة معيّنة. لقد قام بينيت بعمل شيء تاريخي. فهو عضو كنيست معه 5% فقط من البرلمان ليصبح رئيس حكومة، وهذا شيء لن يتكرر، والأمر ذاته ينطبق على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو. أما حزب العمل فلم يكن يحلم بالرجوع إلى السلطة بعد 20 عاماً من بقائه خارجها. وكذلك الحال بالنسبة لميرتس. أما منصور عباس فقد حلم بالسلطة ووصل إليها وهو يدرك بأنه لن يعود إليها. لقد التقت مصالح عديدة تجمع كل هؤلاء الكارهين لبعضهم البعض. وعلينا أن نتذكر أن إسرائيل دولة احتلال تفرض يومياً قراراتها على الأرض لكن هذه القرارات لا تحظى في الغالب على إجماع، وفي تقديري أن جدعون ساعر وبينيت سيعملان على انضمام حزب يهودي آخر إلى الائتلاف. أما الأحزاب الموجودة اليوم في المعارضة، فهي ليست أحزاباً فكرية، ولا يوجد نقاش سياسي بينها.
مستقبل العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين
ما يزعج أبو شحادة السؤال المتعلق بمستقبل العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين – كما يقول – وهو أمر يدل على هشاشة الوضع الفلسطيني الذي بات متعلقاً بنتائج الانتخابات الأميركية والإسرائيلية بينما لا يتم الحديث عن دورنا واستراتيجيتنا، لأن هناك حالة من اليأس والإحباط، وأصبح التعويل على نتائج الانتخابات في إسرائيل من أجل انفراج الوضع الفلسطيني. برأيي يجب ألا يعوّل على هذا الموضوع حتى ولو سيطرت ميرتس على كل الحكومة. وإذا لم يكن هناك إنهاء للانقسام ووحدة فلسطينية حول مشروع استراتيجي واضح وبرنامج عمل لأغلبية الفصائل لن يكون هناك حل ولا انفراج. والإسرائيليون بدورهم لا يتحدثون عن إنهاء الاحتلال. فلبيد مثلاً يتحدث عن تحسين شروط العبودية ويبدو الشيء له بأنه عادي ويطرحه بفخر، وبالتالي حتى ننهض بوضعنا يجب عدم التعويل على إٍسرائيل في أي أمر.