قصة علاج كورونا “المعجزة” الذي يثير انقساما حادا في أمريكا الجنوبية
في أمريكا الجنوبية، توصف مادة كيميائية سامة بأنها “علاج معجزة” لفيروس كورونا، فكيف ترسخ هذا الاعتقاد الخاطئ؟
تداول الآلاف من مستخدمي التواصل الاجتماعي في بيرو نشرة إعلانية تطلب من الناس أن يفعلوا شيئًا يبدو صارخا وشنيعا في ظل تفشي الوباء، إذ طلبت هذه النشرة من الناس الخروج إلى الميدان والاحتجاج مع مجموعة من الغرباء.
وبالفعل، خرج العشرات من سكان ليما، عاصمة بيرو، من منازلهم صباح يوم 28 يوليو/تموز 2020، والتقوا في واحدة من أكبر حدائق المدينة للاحتجاج. لكن الغريب في الأمر أن هؤلاء كانوا يعتقدون أنهم لا يخاطرون بحياتهم، بل والأسوأ من ذلك أنهم كانوا يعتقدون أنهم بذلك ينقذون أرواح كثيرين آخرين!
ونظمت هذا الاحتجاج منظمة تُدعى “كوموساف”، وهي اختصار باللغة الإسبانية يعني “التحالف العالمي من أجل الصحة والحياة”. وقال أعضاء هذه المنظمة إنهم يدافعون عن حقوقهم في الحياة والصحة، لكن قضيتهم الحقيقية تتمثل في مطالبة حكومتهم باعتماد مادة كيميائية سامة كعلاج لفيروس كورونا.
لكن مادة ثاني أكسيد الكلور التي يطالبون باعتمادها كعلاج لفيروس كورونا ليست غير فعالة ضد الفيروس فحسب، لكنها يمكن أن تسبب أيضا جفافا يهدد الحياة وفشلا حادا في الكبد.
وتُصنف السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في بيرو، هذه المادة بأنها خطرة على الاستهلاك البشري. وكان مروجوها يدخلون في مواجهات مع الأطباء، بل وحوكموا من قبل السلطات لسنوات، لكن وباء كورونا أعطاهم أكبر فرصة للترويج لهذه المادة مرة أخرى.
وزاد الاهتمام بالبحث عن ثاني أكسيد الكلور على محرك البحث غوغل بشكل كبير للغاية في عام 2020، وبدأت مئات الصفحات التي تروج له في الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي. وأيده العديد من المشاهير في صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن البعض حظي بتغطية إعلامية كبيرة من خلال الإشادة بالخصائص المزعومة لهذه المادة.
ووجهت الدعوة إلى أندرياس كالكر، أحد أكبر المروجين لهذه المادة، من قبل الصحفيين والمشرعين والأكاديميين أصحاب النوايا الحسنة، ليس فقط في بيرو، ولكن أيضًا في البلدان المجاورة مثل كولومبيا وبوليفيا، لكي يتحدث عن فوائد هذه المادة.
لكن السؤال الآن هو: كيف يمكن لمادة تقول الإدارة الفيدرالية للأدوية “إن لها نفس مفعول شرب الكلور” أن تتسبب في مثل هذه الحركة في أمريكا اللاتينية؟
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا في ذلك، لكن الأمر يعود أيضًا إلى السمات النفسية وتقنيات التسويق التي كانت موجودة منذ فترة طويلة.
حل بسيط
لم يكن ثاني أكسيد الكلور هو العلاج الوهمي الوحيد الذي اكتسب شعبية كبيرة في الوقت الذي يسابق فيه العالم الزمن للبحث عن علاج لفيروس كورونا. فقد وُصفت مواد أخرى، مثل هيدروكسي كلوروكين، وإنترفيرون، وإيفرمكتين، أو أزيثروميسين، باعتبارها طرقًا ممكنة لمنع الإصابة بالفيروس أو المعاناة من أسوأ آثاره. واتضح بعد ذلك أن جميع هذه المواد لا تؤدي إلى أي نتائج فعالة ضد الفيروس.
تقول لورا ميرشان، باحثة من مرصد الديمقراطية في جامعة جبال الأنديز في بوغوتا، والتي درست كيفية انتشار المعلومات الزائفة على موقع فيسبوك في كولومبيا: “قصة العلاجات المزيفة يغذيها الأمل، من خلال الترويج لفكرة أننا نجحنا أخيرا في الوصول إلى علاج!”
كان هذا صحيحًا بشكل خاص في بداية تفشي فيروس كورونا، عندما لم يكن العلماء يعرفون الكثير عن الفيروس ولم يكن من الواضح أن اللقاح سيظهر قريبًا.
تقول ميرشان: “كل هذه الأدوية لها استخدامات مشروعة، وفي كل منها كان هناك دليل يشير إلى أنها قد تكون علاجا محتملا”. وفي وقت كان فيه كل شيء غير مؤكد، كان يُنظر إلى هذه الأدوية على أنها قد تكون حلا محتملا، وبالتالي جرى الترويج لها.
ربما تكون هذه أقدم خدعة تسويقية طبية، فبالعودة إلى عصر النهضة بإيطاليا كانت ساحات البلدات مليئة بالدجالين الذين يبيعون جميع أنواع الأشياء المزيفة من خلال المبالغة في خصائصها ومميزاتها العلاجية.
يقول ديفيد جينتيلكور، المؤرخ في جامعة فينيسيا كافوسكاري والذي درس على نطاق واسع دور الدجالين في تاريخ الطب، إنه قبل وقت طويل من تطوير الأدوية الفعالة لمعظم الأمراض، كان يمكن أن يُقدم الباعة المتجولون طريقة للخروج من هذا التعقيد.
ويقول: “يمكن أن يأتي الدجال ويقول لك: حسنا، أنت تعاني من الحمى، ولدي علاج بسيط: خذ ملعقة من هذا كل صباح مع كأس من النبيذ وسيساعدك ذلك. إنها تصلح لأي شخص في أي وقت من السنة وفي أي عمر!”
وهذا أيضًا هو السبب وراء “استخدام هذه العلاجات في كثير من الحالات كأدوات سياسية”، كما تقول ميرشان. لقد روج قادة مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو للكلوروكين باعتباره وسيلة وقائية رخيصة الثمن ومتاحة على نطاق واسع ضد الفيروس. وبعد فترة وجيزة، بدأ مؤيدوهم على وسائل التواصل الاجتماعي في الادعاء بأنها مادة فعالة – باستخدام البنى التحتية الرقمية المستخدمة أيضًا لدفع أنواع أخرى من المعلومات المضللة وإساءة معاملة المعارضين السياسيين.
ونظرًا لأن هذه “الآلات” على وسائل التواصل الاجتماعي والسياسي لديها القدرة الفائقة على وضع نفس الرسائل عدة مرات أمام الناس، فإنها تستغل ما يُعرف بتأثير الحقيقة الوهمية – إحدى أهم الآليات التي تجعل الناس يؤمنون بالمعلومات الكاذبة.
يقول ساندر فان دير ليندن، الباحث بجامعة كامبريدج والذي يركز على دراسة علم نفس المعلومات المضللة: “يميل الدماغ إلى الخلط بين الألفة وتصديق الشيء، فهناك الكثير من الأبحاث التي تُظهر أنه كلما عالجت شيئا ما بشكل أسرع، أصبحت أكثر دراية به، وزادت احتمالية تصديقه. وكلما تكررت المعلومات المضللة، زاد احتمال اعتقادك بأنها صحيحة”.
وهناك الكثير من المحتويات الخاطئة حول فيروس كورونا على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي حين أنه من الصعب للغاية تحديد رقم دقيق، إلا أن هناك العديد من الأرقام التي توضح مدى انتشار هذه المحتويات الخاطئة، إذ أظهر استطلاع أجرته هيئة مراقبة وسائل الإعلام في المملكة المتحدة “أوفكوم” أن 54 في المئة ممن شملهم الاستطلاع قد شاهدوا محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي مُصنَّفًا على أنه غير صحيح.
وأشار أحدث تقرير لفيسبوك، اعتبارًا من أبريل 2020، إلى أن الشبكة الاجتماعية حددت أكثر من 50 مليون قطعة من المحتوى ووضعت بجوارها تحذيرات تطالب بالتحقق من صحتها، بهدف تنبيه المستخدمين بأنها تحتوي على معلومات خاطئة أو مضللة.
وتشير ميرشان إلى أن “ثنائي أكسيد الكلور يعمل إلى حد كبير مثل نظرية المؤامرة”.
وفي عام 2006، نشر أحد أتباع معتقدات السينتولوجيا ويُدعى جيم هامبل، كتابًا يصف مادة ثنائي أكسيد الكلور بأنها “الحل المعدني المعجزة”، وادعى أنها ساعدت في علاج حالات الملاريا في إفريقيا. ومنذ ذلك الحين، جرى الترويج لهذه المادة على أنها علاج لأمراض متعددة، بداء من حب الشباب وصولا إلى التوحد وفيروس نقص المناعة البشرية.
ونظرًا لأن “الحل المعدني المعجزة” قد اكتسب شعبية كبيرة في الدوائر الصحية الهامشية في جميع أنحاء العالم، فقد جذب انتباه السلطات الصحية. ونشرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تحذيرها الأول عن هذه المادة في عام 2010.
وفي مدونة عام 2010 ، كتب هامبل أنه وجد حلاً يتمثل في “تشكيل كنيسة للصحة والشفاء”. لكن الأمر كله كان يتعلق بالتهرب من الرقابة، إذ قال هامبل: “إذا جرى التعامل مع الأمر بشكل صحيح، يمكن للكنيسة أن تحمينا من التطعيمات التي لا نريدها، ومن التأمين الإجباري، ومن أشياء كثيرة قد ترغب الحكومة في استخدامها لقمعنا”. وأنشأ هامبل كنيسة مع مارك جرينون، الذي أصبح أحد كبار المروجين لهذه المادة.
وفي عام 2016، أظهر تقرير إخباري جرينون وهو يتحدث في أحد المناسبات الكنسية عن ما وصفه بالكذبات التآمرية، مثل أن الطائرات التي استخدمت في هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت “صورًا ثلاثية الأبعاد أنشأتها الحكومة”، أو أن “الكيمتريل” مادة سامة. وكان لهامبل أيضا نصيبه العادل من الادعاءات الغريبة المسجلة، إذ قال إنه إله عمره مليار عام من مجرة أندروميدا، والذي طلب أن يتولى مسؤولية رعاية الأرض!
كما يحرص المتحمسون الآخرون لثاني أكسيد الكلور على التفكير التآمري أيضا، مثل لويس لوبيز، من بيرو. فأثناء حديثه إلى بي بي سي، قال إنه يعتقد أن إجراءات الصحة العامة مثل الأقنعة الإلزامية تصيب الناس بالمرض، وأن الوباء بأكمله هو محاولة لإخلاء الأرض من السكان.
وأخبرني لوبيز بأن الوباء أجبره على إغلاق شركته، لذلك عمل على تصنيع وبيع هذه المادة “لأنها تعمل”. وأشار إلى أنه يكسب ما يعادل 580 جنيهًا إسترلينيًا (820 دولارًا) في يوم جيد، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور الشهرية في بلاده! ومن الواضح أن هذا أحد الأسباب للترويج لهذه المادة!