فرص واعدة تنتظر الشركات الناشئة للاستثمار التقني بقطاع الحج والعمرة
أصبح موسم الحج والعمرة من أبرز الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونجح في أن يجتذب إليه العديد من الاستثمارات خاصة المتعلقة بالجانب التقني، فهناك التطبيقات التي تعلم المناسك الدينية، وايضا ما يختص منها بتعاليم الصلاة والفرائض المختلفة، ليتسع نشاطها بعد جائحة كورونا ليشمل المساهمة في تأمين الحجيج والمعتمرين وتوفير العناية الطبية لهم، فضلًا عن مشاريع لتوليد الطاقة، وتوفير مختلف الخدمات لمؤدين تلك الفرائض الإسلامية.
أهمية اقتصادية
يُشكل قطاع الحج والعمرة نحو 60% من الإيرادات السياحية للمملكة العربية السعودية، وهو ما يساوي حوالي 15 مليار دولار سنوياً على الأقل – طبقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية – أي ما يقارب 55% من إيرادات قطاع السياحة بالمملكة، وهو بدوره يوفر ما يقرب من مليون وظيفة يستحوذ المواطنين السعوديين على حوالي ثلثها، أي أن الحج والعمرة هنا يمثلان واحدة من أكبر وأهم الاستثمارات في السعودية، وهو ما يمكن أن نراه من خلال رؤية المملكة 2030 والتي تقوم على تنويع مصادر الدخل القومي بدلا من الاعتماد على الإيرادات النفطية فقط، ليحتل قطاع الحج والعمرة المحور الأول في تلك الرؤية المستقبلية، التي تؤكد أن الاستثمار في ذلك القطاع ربما سيكون الاهتمام الأول للمملكة خلال الفترة المقبلة. بالرغم من معاناة السعودية من تراجع كبير لميزانيتها أعقاب جائحة كورونا وإلغاء موسم الحج والعمرة للعام الثاني على التوالي لتبلغ إجمالي خسائرها في موازنتها للعام المالي 2021 ما يعادل 455 مليار ريال سعودي، وهو ماجعل الفرصة تزدهر أمام الاستثمار التقني بذلك القطاع وفتح الباب على مصراعيه أمام التطبيقات الدينية والتعليمية أيضا الابتكارات التكنولوجية فيما يخص الاستثمار بقطاع الحج والعمرة.
سوق تقني واسع
الابتكار التكنولوجي لاستثمار ذلك السوق الواسع يمكن أن نراه من خلال تجربة Muslim3D، لعبة الفيديو الدينية التعليمية التي يقول عنها “بلال شبيب”، مؤسس شركة Bigitec الألمانية – التي أطلقت تلك اللعبة – صممنا ذلك “الفيديو جيم” ليُعلم الصغار والكبار على السواء خاصة المتواجدين بالخارج التعاليم الإسلامية، وايضا مناسك الحج والعمرة بصورة جديدة و مبسطة وسلسة في ذات الوقت، كما أنشأنا متحف افتراضي يعرض التنمية الإسلامية في المجالات الهندسة والعلمية والثقافية، ايضا وكل ما يتعلق بالثقافة الإسلامية والحج والعمرة.
ومع عمل “شبيب” على تلك التجربة الافتراضية واجه بعض الصعوبات التي خلال رحلته الاستثمارية المبتكرة مثل صعوبة إقناع المستثمرين بوضع أموالهم بتلك التجربة الجديدة، خاصة أنها ليس لها سوق واسع حتى الآن ومازالت في بدايتها، كما أن تعاليم الدين الإسلامي شىء حساس جدًا ولن يستطيع أي شخص بعمل تلك التجربة إذا لم يتوافر لديه المعرفة اللازمة، بالإضافة إلى أن هناك بعض ردود الفعل التي تحتاج لخبرة واسعة للتعامل معها، كشخص قد يأتي ويقول ليس من المفضل استخدام الموسيقي خلال المشروع، ولكنه أكد انه لديه فريق مدرب محترف للرد والتعامل مع تلك الأمور ولكن… في نفس الوقت يبدو أن الصعوبة الحقيقية ليست في الوصول للجمهور بل هو إقناعهم بالمنتج من أجل تسويقه بشكل موسع.
ويؤكد “شبيب” إن استطاع جمع مليون يورو من مستثمرين فضلًا عن مدخرات شخصية ليحقق حلمه بإطلاق اللعبة، وهو ما ظهر خلال تنزيل نسختها “الديمو” المجانية أكثر من مليون مرة عبر الإنترنت، ليشير إلى أن فرص الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي تزداد بقوة والسوق ينمو بشكل واسع، خاصة بعد جائحة كورونا والحاجة للتوسع التقني خاصة فيما يخص قطاع الحج والعمرة، وهو ما سيكون له مردود اقتصادي ضخم في تنمية اقتصاديات الدول العربية، لأن هناك الكثير يبحثون عن تلك الاستثمارات والسوق متعطش لها، وهو ما حمس Bigitec لتطلق تطبيق Muslim Pal لتعليم القرآن الكريم بصورة سهلة ومبتكرة، ايضا تطبيق Muslim Tales الذي يستهدف تعليم الأطفال التعاليم الإسلامية من خلال قصص تفاعلية شيقة مستوحاة من الوحي القرآني .
ولم يقتصر الاستثمار التقني بقطاع الحج والعمرة على القطاع الخاص فقط بل استخدمت الحكومة السعودية أحدث التكنولوجيا للمساعدة في السيطرة على انتشار فيروس “كورونا” خلال موسم الحج، حيث أصدرت “بطاقات الحج الذكية” لتسهيل سفر الحجاج لتسجل تلك البطاقة المعلومات الشخصية والطبية والسكنية لحاملها والتي يمكن أن تساعد الحجاج أيضًا في العثور على المواقع والوصول إلى أماكن مختلف، ووزعت ايضا “السوار الذكي” للمساعدة في مراقبة ظروف الحجيج الصحية مثل مستويات الأكسجين في الدم ومعدل ضربات القلب والتعرض المحتمل للفيروس المعدي، لتؤكد ان المجال أصبح مفتوح الآن للاستثمار التقني بذلك القطاع الحيوي.
وفي دراسة بعنوان An analytical study of mobile applications for Hajj and Umrah، صدرت عن المجلة البحثية Applied Computing and Informatics، في الإصدار 14 العدد الأول لعام 2018، أظهرت النتائج أن خدمة “مناسك الحج” لها النصيب الأكبر مقارنة بالخدمات الأخرى التي تقدمها التطبيقات الهاتفية، حيث توجد خدمة “شعائر الحج” في 68.7٪ من التطبيقات المستهدفة، تليها “مناسك العمرة” و”الأذكار” بنسبة 47.5 ٪ و 32.5٪ على التوالي، كما أشارت الدراسة إلى أنه من المؤشرات الجيدة على قابلية استخدام تطبيق الهاتف المحمول في المناسك الدينية هو “عدد التنزيلات”، والذي يرجع بشكل أساسي إلى توفير مجموعة متنوعة من الخدمات واللغات، حيث تم تنزيل معظم التطبيقات بين 10000 و 50000 مرة، علاوة على ذلك، تُظهر النتائج أن التطبيقات التي تدعم خدمات الفيديو المباشر هي الأكثر تفضيلاً من قبل المستخدمين، حيث تم تنزيل تطبيق “Watch Live Makkah 24 Hours HD” الذي يدعم خدمات الفيديو المباشر لأكثر من مليون مرة، يأتي بعدها التطبيقات التي تدعم خدمات الصور وتم تنزيلها على نطاق واسع بأكثر من 100000 مرة.
ونادت الدراسة بضرورة الاستثمار في تقديم تطبيقات تقدم ميزات تفاعلية للحجاج والمعتمرين، مثل نظام الاتصال الافتراضي وإدارة حشود الحجاج، وتحديث الخرائط في الوقت الفعلي، بالتوازي مع إنشاء تطبيقات يمكنها تقديم خدمات للمستخدمين المكفوفين أو ضعاف البصر.
وادي مكة
وإذا ذكرنا الاستثمار في ذلك القطاع فلن نستطيع ان نغفل شركة “وادي مكة” للتقنية، والتي تعد واحدة من أكبر شركات رأس المال الاستثماري ليس في المملكة العربية السعودية فقط بل في المنطقة العربية بصفة عامة، تتفرع منها 3 شركات رائدة وهم وادي مكة للاستثمار، التقنية، والمعرفة، تمكنت من الاستثمار في 40 شركة ناشئة، حققت تلك الشركات مبيعات تزيد عن 45 مليون ريال سعودي، كما أسست وادي مكة للاستثمار منذ ما يقرب من عامان أول صندوق للاستثمار في الشركات الناشئة التي تقوم على التقنيات المتطورة وتعمل بقطاع الحج والعمرة بقيمة بلغت 40 مليون ريال.
استطاعت تلك الشركة خلال الفترة الماضية القيام بمجموعة من الاستثمارات خاصة ذات الطابع الإسلامي المتعلقة بقطاع الحج والعمرة، أبرزها بافجين “Pavegen” أحد استثمارات الشركة المختصة بتطوير وتركيب الممرات الحركية التي تحول الخطوات إلى طاقة وبيانات شخصية؛ من خلال توليد طاقة تتراوح من 2 إلى 4 جول من الطاقة الكهربائية لكل خطوة ما يقارب 5 واط، بحجم استثمارات تراوحت ما بين ٥٠٠ ألف ريال إلى ٢ مليون ريال للشركة الناشئة، كما استطاعت أن تعمل على عدد من المشاريع الريادية لخدمة قطاع الحج والعمرة، كسبيل المثال لا الحصر استثمرت في شركة ديرق”Derq” المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي مبلغ 500 ألف دولار، وتطبيق سمارت حج (مناسكنا) الذي يهدف لتسهيل جميع مناسك الحج، مشروع (مكة مدينة القلب النابض) الذي يهدف لزيادة معدلات النجاة من حالات السكتة القلبية المفاجئة، نظام (ضيف) منصة إلكترونية لتحديد المواقع داخل الأماكن المغلقة؛ وشركة “هازن” التي تقدم خدمة معالجة الصور والبيانات وتحليلها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة الحشود، وهناك ايضا الشركة الناشئة “مبيت” لتسكين الحجيج والمعتمرين، وذلك بالإضافة لمنصة “سارية”، للتعريف التقني بالمعالم الدينية، ومنصة “شعائر” التي توفر عروض الشركات المتخصصة في الحج والعمرة.
وفي ذات السياق أشار تقرير بعنوان “الحج والعمرة: تطويرات وفرص”، صدر عن Thomson Reuters and Dinar Standard ، في يناير 2017، إلى أن هناك فرص استثمارية عديدة بقطاع الحج والعمرة أمام منصات الضيافة لتوفير إقامة مميزة حسب الاحتياجات للحجيج والمعتمرين وضيوف المملكة، وايضًا هناك سوق واعد فيا يتعلق بتجارة “الملابس الذكية”، والأدوات التي تخص المناسك الدينية مثل اخترع Timez5 أول سجادة صلاة فسيولوجية في العالم، والتي تخفف آلام العضلات وتيبسها، وآلام المفاصل، وايضا المنصات الرقمية التي تقدم باقات سفر لأداء المناسك الدينية، وغيرها من الخدمات التي تهم المؤدون للشعائر الدينية، والتي يمكن من خلالها تقديم العديد من الخدمات التقنية بسهولة وجودة وسرعة فائقة.
أثبتت جائحة كورونا أن الاستثمار التقني بقطاع الحج والعمرة يمكن أن يدر العديد من الفوائد الاقتصادية وأيضا الدينية والثقافية بشكل كبير وفعال، إلا أنه مازال في مراحله البدائية، ولم يتم استغلاله الاستغلال الأمثل، بالرغم من وجود سوق واسع وطلب متزايد لذلك النوع من المنتجات والاستثمارات.