شهدت المفاوضات الخاصة بـ«سد النهضة» انفراجةً جديدةً بعد حالة الجمود التي كانت عليها، خلال الأسابيع الماضية، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي قال فيها إن مصر قد تُقدم على تفجير سد النهضة بحال عدم حل القضايا العالقة حوله.
وأضاف ترامب: «لقد قدمت لهم عرضا لكنهم خرقوه، ولا يمكنهم فعل ذلك، لذلك فالعرض انتهى والوضع خطير لأن مصر لا يمكنها العيش بهذا الشكل، وسينتهي الأمر بهم بتفجير السد، سيقدمون على ذلك، وعليهم أن يقوموا بشيء ما».
وأكد الرئيس الأمريكي أنه سيوقف الدعم المادي لإثيوبيا، مشيرا إلى أن أديس أبابا أخلت باتفاق تم التفاوض عليه لمدة 5 سنوات، موجها اللوم لمصر على سماحها ببناء السد من الأساس، لكنه وجد لها عذرا كونها كانت تمر بما وصفها بـ”الثورة الصغيرة”.
وأكدت إثيوبيا رفضها لما وصفته بـ”التهديدات العدائية” مشددة على التزامها بمواصلة بناء سد النهضة والجهوزية للرد على كل اعتداء يمس سيادتها.
ونشر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بيانا أكد فيه أن التزام إثيوبيا بمواصلة بناء السد وذلك خدمة لتطلعات شعبها ومصالحها العليا.
وأكدت إثيوبيا أنها بالتوازي مع مواصلة عملية بناء السد، ستعمل على إيجاد حل للقضية المتنازع عليها، على أسس الثقة المتبادلة والاستغلال العادل والمنطقي لموارد النيل.
وعلق وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام، على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن سد النهضة الإثيوبي.
وكتب الوزير الأسبق في صفحته على “فيسبوك” يوم الجمعة: “ترامب يوضح موقف القيادة المصرية من سد النهضة وعدم قبولها للمطالب الإثيوبية واستعدادها للتدخل العسكري للحفاظ على أمننا المائي”، معتبرا أن ذلك “ضوء أخضر من ترامب لمصر لضرب سد النهضة”.
بعد تصريحات ترامب، قال رئيس هيئة الطيران المدني الإثيوبية، إن سلطات البلاد حظرت الطيران فوق السد الجديد الضخم (النهضة) لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق، لاعتبارات أمنية.
وأضاف، وسينيله هونيجناو، رئيس هيئة الطيران المدني الإثيوبية لرويترز في اتصال هاتفي “حظر مرور جميع رحلات الطيران لتأمين السد”. ورفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل عن أسباب الحظر.
وقال الميجر جنرال، يلما ميرداسا، قائد القوات الجوية إن إثيوبيا مستعدة تماما للدفاع عن السد من أي هجوم.
وسط هذه التصريحات المفاجئة، والتحركات الإثيوبية، قام وفد عسكري مصري رفيع برئاسة رئيس أركان الجيش المصري، محمد فريد بزيارة إلى السودان وتوقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية بين البلدين.
وقالت وزارة الدفاع عبر موقعها الإلكتروني، إن المباحثات التي أجراها رئيس أركان الجيش المصري في السودان استهدفت الإجراءات التنفيذية لنتائج زيارة عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني، مؤخرا إلى القاهرة “وتوافق القيادتين المصرية والسودانية حول ضرورة الإسراع بتطوير مجالات التعاون العسكري والأمني، بما يعزز قدرات الجانبين على مواجهة التحديات لأمنهما القومي ومصالحهما المشتركة”.
وأضافت الوزارة أن رئيس الوفد المصري التقى في الخرطوم أيضا وزير الدفاع السوداني، اللواء الركن يسن إبراهيم يسن، حيث “استعرض الجانبان خصوصية الروابط التى تجمع البلدين وقواتهما المسلحة، وتوفير الظروف والمناخ الملائم لإطلاق آفاق جيدة للتعاون العسكري المشترك”.
ومن السودان، قال رئيس أركان الجيش المصري، محمد فريد، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوداني، محمد عثمان الحسين: “خلال الفترة المقبلة ستشهد العلاقات العسكرية بين البلدين طفرة نوعية” في العديد من المجالات، وخاصة في أصعدة التدريب وتأمين الحدود.
فيما صرح الحسين بأن المحادثات التي جرت خلال زيارة الوفد المصري تطرقت “إلى كل ما من شأنه تطوير العلاقة بين القوات المسلحة السودانية والمصرية”، مشيرا إلى أن المناقشات تناولت “كل محاور التعاون العسكري وتطوير العلاقة بين القوات المسلحة في مصر والسودان”.
وتابع الحسين: “توصلنا لنتائج مذهلة لزيارة الوفد المصري، ستخلق توافقا وتنسيقا كاملا بين قوات البلدين”.
واتفق الطرفان على تنفيذ العديد من الأنشطة التدريبية لأفرع القوات المسلحة كافة مع تكثيف التعاون في مجالات التأهيل والتدريب وتبادل الخبرات وتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والتأمين الفني والصناعات العسكرية، فضلًا عن دور القوات المسلحة بالبلدين في مشروعات التنمية والبنية الأساسية.
ويقول اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكري والاستراتيجي، إنه بالنسبة لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي قال فيها إنه إذا قامت مصر بتفجير سد النهضة فلا أحد يلومها، من الصعب ترجمتها عمليا، ولكن هذه التصريحات تمثل نقطة في صالح مصر في مسار المفاوضات مع إثيوبيا، ونوع من الضغط على الجانب الإثيوبي لكي يستجيب للمطالب المصرية الخاصة بملء وتشغيل السد، مستبعدا قيام مصر بعمل عسكري لتفجير السد، مشيرا إلى أنه يجب أن تكون سياسة مصر ثابتة وتتجنب الدخول في معارك في الوقت الحالي حتى تتم معرفة نتيجة المفاوضات.
وأضاف «مسلم»، أن زيارة الوفد العسكري المصري بقيادة رئيس أركان الجيش المصري للسودان وتوقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية مع الجانب السوداني، دليل على الارتباط القوى بين الأمن القومي المصري والأمن القومي السوداني، وتأكيد على أن السودان جزء من مصر وأن مصر جزء من السودان، مشيرا إلى أنه كانت هناك معاهدة دفاع مشترك بين مصر والسودان ولكن السودان قام بإلغائها، والعلاقات مع السودان هي جزء من العلاقات العربية التي يجب العمل على استعادتها كلما أمكن ذلك، بالإضافة إلى أن تفعيل العلاقة مع السودان يمكن أن يكون لها علاقة بأزمة سد النهضة مع إثيوبيا، وقد تكون بداية جيدة لاستعادة الأمن الجماعي الأفريقي.
واستبعد «مسلم» أن تكون هناك علاقة بين زيارة الوفد العسكري المصري للسودان وبين التطبيع السوداني الإسرائيلي، مؤكدا أن القضايا الخلافية العالقة بين مصر والسودان مثل قضية حلايب وشلاتين لن يكون لها أي تأثير على التقارب بين مصر والسودان، لاسيما وأن ما يربط البلدين من علاقات أكثر مما يفرقهما.
ويقول اللواء حاتم باشات، عضو لجنة الشئون الأفريقية بالبرلمان ووكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، إنه لا يجب الإفراط في التفاؤل بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرا إلى أن العمل العسكري غير مطلوب في الوقت الحالي لأن أمام مصر وسائل أخرى مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، مؤكدا أن زيارة الوفد العسكري المصري الرفيع بقيادة رئيس الأركان المصري إلى السودان وتوقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية جاءت في توقيت مهم جدا وتعتبر زيارة تاريخية لم تكن في الحسبان، لافتا إلى أن التقارب الذي حدث بين السودان وإسرائيل كان له اعتبار في هذه الزيارة.
وعن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول سد النهضة، لفت «باشات» إلى أن ترامب يصرح كما يريد، ولكن القرار في النهاية يعود إلى القيادة المصرية، مؤكدا على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رجل حكيم جدا ويأخذ قراراته في الوقت المناسب.
ويقول اللواء عبد الرافع درويش، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن مصر تسير بمبدأ الاستعداد للأسوأ، أو التخطيط على الحالة الأسوأ، مطالبا بعدم الانجرار وراء تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مذكرا بما حدث للرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي قام باحتلال الكويت بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكي ثم سرعان ما تعرض للضرب من كل مكان وطبقوا عليه الباب السابع، مؤكدا أن مصر لن تتنازل عن حقها في مياه النيل، مشيرا إلى أن الموت على السد أفضل من الموت عطشا، لافتا إلى أن مصر لا تأخذ الضوء الأخضر من أحد، ولكنها تتصرف طبقا لمصالحها العليا، فإذا كانت مصلحة مصر في الحرب فسوف تحارب، مستبعدا قيام مصر بعمل عسكري ضد سد النهضة في الوقت الحالي وقبل يتم استنفاذ كل الوسائل السلمية.