خبراء يضعون خطة طريق لعودة آثارنا من الخارج.. «رأس نفرتيتي» وحجر رشيد والرءوس الخضراء.. أشهر تراث مصر المنهوب
في ظل عصر الاكتشافات الكبرى التى نشهدها خلال الأشهر الماضية، تتجلى مطالب بضرورة وقف تهريب الآثار المصرية، والضرب بيد من حديد على كل من يتورط في جريمة سرقة كنوز مصر المدفونة.
وبالبحث والتدقيق عن الأسباب تركزت آراء الخبراء على ضرورة العمل على إعادة النظر في منظومة الجمارك، ومعالجة أسباب عرقلة عودة الآثار المصرية المهربة، وعلى الرغم من استعادة آلاف القطع الأثرية خلال الفترات الماضية إلا أنه لا يزال أمامنا طريق طويل في رحلة استعادة آثار مصر التى تزين متاحف وميادين دول العالم شرقا وغربا.
وفى هذا الشأن يقول الدكتور سيد حسن، خبير الآثار الفرعونية، إن الآثار المهربة ٣ أنواع، وهناك نوع لا يمكننا الاقتراب منه وهى الآثار المهداة أو التى خرجت من مصر في ظل عدم وجود قوانين تحكم عملية خروج الآثار من مصر، أو قبل عام ١٩٨٣، حيث لم يكن هناك قانون يمنع خروج البعثات وبعض المكتشفات معها وبالتالى كان يحق للبعثات الأجنبية الحصور على ١٠ ٪ من الآثار المكتشفة، وبالتالى أصبحت تلك الآثار حق لهم.وأوضح “حسن” في تصريحاته لـ”البوابة نيوز” أنه قبل عام ١٩٨٣ كانت البعثات الأثرية تقوم بدورها وبعد انتهاء عمليات الكشف الأثرى تجتمع لجنة تسمى “لجنة القسمة، وهى معنية بتحديد نسبة الـ ١٠ ٪ للبعثات الأجنبية، مشددا على أن لجنة القسمة كانت لجنة وطنية خالصة، وكانت تضع مصالح وآثار مصر في المقام الأول ولم تكن تعطى البعثات الأثرية سوى المقتنيات المتوافرة لدى مصر بكثرة أو الآثار المكررة، فكانت تمنح البعثات الأجنبية الأوانى الفخارية والتحف الأثرية الصغيرة وغيرها مما تمتلك مصر منه نسخ أخرى مكررة.وتابع: لم تكن البعثات في هذه الفترات تحصل على الآثار المنقوشة أو المومياوات وكذلك الآثار المذهبة، وكانوا يحصلون على مقتنيات بسيطة، وكانت حسب اتفاقيات، فلن يكون لنا الحق في المطالبة باسترجاعها.وأردف قائلا: “النوع الثالث هو الآثار المهربة من مصر خلسة، وتنقسم إلى نوعين الآثار التى نجحت مصر في تسجيلها، وهذه من الممكن استرجاعها، وأخرى لا يمكن استرجاعها وهى التى خرجت من مصر مهربة ولم تسجلها السلطات المصرية فلا يحق لنا المطالبة باسترجاعها، ولعل من أبرز القطع الأثرية المهربة “رأس نفرتيتى – حجر رشيد – الرءوس الخضراء، وجميعها مهربة من مصر، ومتواجدة في متاحف وعواصم عالمية تعرض للعلن ولكن لا يحق لنا استرجاعها لأنها هربت ولم تكن مسجلة.وشدد حسن على أن القانون الدولى يدعم المواقف المصرية حال تسجيل الآثار المصرية، أما غير المسجلة فيصعب استرجاعها، والقانون الدولى لا يقف بجانب مصر في حال عدم تسجيلها، ولعل أبرز الجولات المصرية هى محاولة الدكتور زاهى حواس استرجاع رأس نفرتيتى من ألمانيا، والتى قوبلت بالرفض، وهو السبب الذى دفع مصر للتضييق على البعثات الألمانية في مصر، ومنعها من التسجيل والبحث العلمي.أما الدكتور بسام الشماع، المؤرخ والباحث في الشأن الأثرى، فقال إن تهريب الآثار المصرية وصل إلى مرحلة حرجة، ولعل ما حدث في برلين هى نقطة تحول في عمليات تهريب الآثار وبيعها، حيث بيعت ١٢ قطعة من أغلى كنور مصر الأثرية.وأكد الشماع في تصريحات خاصة لـ”البوابة” أن هناك عراقيل كثيرة في مسألة تهريب الآثار المصرية وبيعها، وترتكز هذه الإشكاليات في نقاط أهمها، غياب القوانين، وتجاهل الحومات الأجنبية لحقوق مصر في استعادة آثارها.
غياب القوانين وأوضح الشماع أن المتابع للموقف العالمى يجد أنه لا توجد قوانين تحكم عملية بيع الآثار المهربة سوى اتفاقية اليونسكو وجهود المجلس الدولى للمتاحف “آيكوم”، فالعالم اجمع يعتمد على اتفاقية اليونسكو لوقف بيع الآثار المهربة وهى اتفاقية “إى أنها غير ملزمة لكل دول العالم”، كما أنه بعد خروج الكيان الصهيونى وأمريكا من اليونسكو فلن نستطيع إلزامهما بوقف عمليات البيع التى تجرى في كبرى صالات المزادات العالمية في نيويورك.
استرداد الآثار
وقال الشماع إن قسم الآثار المستردة في وزارة الآثار نشيط جدا إلى أن ما استعادته وزارة الآثار لا يمثل سوى جزء صغير من آلاف القطع المنهوبة لمصر في الخارج.
واستشهد الشماع بحادثة حاوية إيطاليا “المليئة بالآثار”، والتى ضبطت بواسطة الشرطة الإيطالية، وكانت تخص شقيق يوسف بطرس غالى، وزير المالية الأسبق، الذى حوكم أمام القضاء المصرى، حيث ضبطت شرطة مدينة نابولى حاويات تحتوى على قطع أثرية تنتمى لحضارات متعددة، من بينها قطع أثرية تنتمى للحضارة المصرية القديمة، بميناء سالرنو بإيطاليا، وقدر عدد القطع الأثرية بنحو ٢٣ ألف قطعة أثرية.
وتابع: “ومن الحوادث الغريبة هى تابوت الكنبة الذى خرج من مصر أيضا إلى الكويت، وتم ضبطه في الكويت، مشيرا إلى أنه بحث في الموضوع حول كيفية تهريب الآثار، وبسؤال أحد المسئولين السابقين في في مصلحة الجمارك أبلغه بالمفاجأة أن الكشف عن السفن والحاويات يتراوح من ٧: ١٠ ٪ من إجمالى الشحنات أو الحاويات، بمعنى أن ٩٠ ٪ من الحاويات المصرية تخرج دن تفتيش”.
شامبليون أكبر لصوص الآثار ودعا الشماع إلى ضرورة التحرك لتغيير أسماء العديد من أسماء الشوارع والميادين والحدائق التى تحمل أسماء كبار السفاحين ولصوص الآثار على مر التاريخ، وأبرزهم قائد الحملة الفرنسية شامبليون، الذى يعد واحدا من أكبر لصوص الآثار المصرية عبر التاريخ ومع ذلك يحمل اسمه واحد من أكبر شوارع وسط القاهرة، على الرغم من أن شامبليون متورط في أكبر عمليات تهريب الآثار في تاريخ مصر.
١٩٨٣ نقطة التحول
وقال الباحث الأثرى إن ١٩٨٣ نقطة التحول، فالمعضلة الكبيرة في مصر أنه حتى عام ١٩٨٣ لم يكن لدينا قوانين تمنع تهريب أو خروج الآثار من مصر، وحكومة عبد الناصر أهدت معابد بالكامل مثل معبد دندور في النوبة يعود لعصر اليونان والرومان، لأمريكا وعرض في متحف المتروبوليتان، وكذلك معبد دابوت المعروض في ميدان عام في مدريد بإسبانيا، والوثائق تثبت أيضا أن الرئيس السادات أخرج تماثيل على شكل هدايا لوزير الخارجية الأمريكى كسنجر وللعديد من الشخصيات العالمية، ولكن من بعد السادات لم ترصد أى وثائق لهدايا على شكل آثار.
حل الإشكالية
ويرى الشماع أن الحلول تتمثل في اتخاذ خطوات جادة لمنع تهريب الآثار، وأولاها “الضرب بيد من حديد على الداخل والخارج لمنع تهريب الآثار”، ففى الداخل يمكن بجانب تغليظ العقوبات أن يتم “التجريس” ونشر صور المتورطين في تهريب الآثار في وسائل الإعلام الكبرى في الدولة حتى يكون عبرة لمن يفكر في تهريب الآثار مرة أخرى، وفى الخارج يمكن اتخاذ إجراءات قوية ضد فرق التنقيب الأجنبية التى تعمل في مصر والتى تسمح بلدانها ببيع الآثار المصرية، وهى ضربة موجعة للبعثات لأن المشاركة في أى كشف أثرى في مصر يعنى سمعة عالمية ومصالح كبرى كما أن ذلك يمنح المكتشف شهرة كبيرة في المجال الأثرى يستطيع من خلاله تدريس علم المصريات وإعطاء محاضرات في كل دول العالم، وعلماء هذه البعثات لن يطيقون البعد عن الرمال الذهبية في مصر بالتالى تمثل أداة ضغط على الدول الأجنبية لمنع بيع الآثار المصرية.
كما دعا الشماع إلى ضرورة استخدام القوى الناعمة لمصر ممثلة في الدكتور زاهى حواس وإقامة ٤٠ محاضرة حول العالم، في الدول التى يشيع فيها بيع الآثار المصرية، تتركز على فضح عمليات تهريب الآثار المصرية والمطالبة باستعادة الآثار المنهوبة في معظم دول العالم، والحديث عن المزادات وأبرز المخالفات التى تجريها في ملف تهريب وبيع الآثار، وأن تحمل الحملة “الآثار المصرية مكانها الأراضى المصرية”.
استخدام الأقمار الصناعية في منع التهريب
كما طالب الشماع بضرورة استخدام الأقمار الصناعية في منع التهريب، وضرورة العمل على مراجعة منظومة الجمارك والكشف على كل الحاويات باستخدام الليزر والطرق التكنولوجية، وضرورة توضيح عدد الحاويات التى يتم الكشف عليها في الموانئ البحرية والجوية، لوقف جريمة تهريب الآثار.