أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن مصر تتميز بتنوع منتجها التراثى لتعدد المناطق التراثية بها ذات الإنتاج المتفرد، ولكل منطقة ملامح ثقافية خاصة ومنها منتجات سيناء والنوبة وقرى الفيوم والوادى الجديد وغيرها، كما تعبر هذه المنتجات عن تاريخ مصر فى كل عصوره، ولكنها تعمل بشكل متفرق دون وجود منظومة شاملة لها لحسن استثمار هذا الكنز الفريد فى بلادنا، ويشيد بجهود الدولة فى عمل معارض كبرى لهذه المنتجات لتسويقها لكن الأمر لا يقف عند حد التسويق، بل أكبر من ذلك بكثير.
ويطالب الدكتور ريحان بضرورة وجود منظومة حكومية لرعاية هذا الكنز المتفرّد فى مصر فى شكل وزارة أو هيئة مستقلة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء تتبنى هذه الصناعات من الألف إلى الياء وتكون مهامها توفير الخامات اللازمة للصناعة وأغلبها مستورد، والحفاظ على هذه الصناعات من الاندثار بإنشاء مدارس فنية لها وتخصيص أقسام بالتعليم الفنى لها مثل قسم الخيامية والنحاسين والمغربلين والخزافين وفنون الطرق على النحاس وغيرها وتخريج كوادر مؤهلة من الشباب لاستمرار الصناعة والحفاظ عليها مع دعم الكوادر الحالية التى تتوارث هذه الصناعات، وكذلك حسن تسويق هذه المنتجات ليس داخليًا فقط بل خارجيًا أيضًا، وحسن الربط بينها وبين السياحة بشكل مناسب يضمن بيعها بأن تكون المنتجات بالمواقع الأثرية الخاصة بآثار مصر القديمة نماذج لملوك مصر القديمة ومفرداتها الحضارية من توابيت صغيرة وتماثيل ونماذج للمعابد والمقابر وجعران ومقتنيات توت عنخ آمون وغيرها وفى مواقع الآثار المسيحية تكون أيقونات ونماذج رسوم جدارية ونماذج كنائس ومغارات مرتبطة بمسار العائلة المقدسة كمغارة كنيسة أبى سرجة بمصر القديمة ومغارة دير المحرّق بأسيوط ومفردات رحلة العائلة المقدسة.
ويشير الدكتور ريحان إلى منتجات تراثية لمواقع مميزة مثل دير مار مينا بكنج مريوط غرب الإسكندرية ويشتهر بأوانى الحجاج عبر التاريخ والتى كانت تملأ من بئر مقدس بالموقع اشتهر عبر التاريخ بعلاج أمراض العيون وهذه الأوانى موجودة بالمتحف القبطى ومتاحف العالم، وكان هناك طريقًا للحج المسيحى إلى جبل موسى وسانت كاترين منذ القرن الرابع الميلادى وكان حجاج أوروبا يأتون إلى مصر عبر ميناء الإسكندرية ويكون مقصدهم الأول دير مار مينا ، ودير سانت كاترين يتميز بأيقونات ونماذج خاصة بمسار نبى الله موسى، علاوة على المنتجات المرتبطة بطبيعة المنطقة نفسها مثل المنتجات السيناوية من إكسسورات وقطع من الصدف وحجر شهير هناك مطبوع عليه شكل نباتات علاوة على منتجات للعلاج بالأعشاب الطبية.
كما تتميز النوبة بمنتجات مرتبطة بثقافة المنطقة وبهذا يرتبط المنتج بالطبيعة الأثرية والسياحية والبيئية للموقع مما يؤدى إلى حرص السائح على شرائه كتذكار لكل هذا، وبالتالى يتم استثمار كل القوى البشرية العاملة فى هذا المجال مع فتح فرص عمل جديدة للشباب وعمل ورش إنتاج ومنافذ توزيع لهذه المنتجات بحيث يكون بكل محافظة بل بكل موقع أثرى أو سياحى سوقًا متكاملًا على غرار خان الخليلى.
ويتابع الدكتور ريحان بأن وجود هيئة مستقلة تتبع رئاسة مجلس الوزراء سيساهم أيضًا فى إنشاء شركات كبرى لهذه المنتجات وتصنيع نماذج أثرية طبق الأصل كصناعة مصرية خالصة تغطى السوق المحلى والعالمى، فرغم وجود شركة حاليًا لصناعة النماذج الأثرية طبق الأصل لكن معظم المحافظات تضع تماثيل لتزيين الميادين من تصميمات لأفراد تشوه المنظر وتسيء للسياحة وقد اعترض الدكتور ريحان على بعض التماثيل بالمحافظات ونبههم لوجود شركة مصرية لهذه المنتجات واستجابت هذه المحافظات ولكن يبدو أن هذه الشركة لا تقبل على إنتاج التماثيل الكبيرة أو غير معروفة بالشكل الكافى أو أن هناك مشكلة فى المنتج لذا تقوم المحافظات حتى الآن بعمل تماثيل من إنتاج أفراد مؤهلين أو غير مؤهلين وهذا يعنى أن هذه الشركة فى حاجة إلى رعاية أكبر لضمان حسن تسويقها وضمان جودة المنتج حتى يغطى السوق المحلى والذى لا يغطيه بالفعل والسوق العالمى.
وأردف الدكتور ريحان بأن التوسع فى هذه المنتجات التراثية تحت مظلة هيئة كبرى يضمن لها الحصول على ميزة الملكية الفكرية التى تتمتع بها منتجات الشركة الخاصة بوزارة السياحة والآثار فقط طبقًا للمادة 39 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، كما يتميز شارع المعز لدين الله الفاطمى أشهر شارع أثرى فى العالم بحرف معينة عبر تاريخه الطويل تحتاج إلى رعاية ومنها الخيامية وهى صناعة تراثية هامة يمارسها وينتجها خمسون محلًا بشارع المعز لدين الله تعانى من نقص التسويق وتوقف الإنتاج والصناعة مهددة بالاندثار، والمطلوب علاوة على تبنى الدولة لهذه الصناعة تطوير شارع المعز لدين الله من الغورية وحتى باب زويلة وتحت الربع ضمن تطوير القاهرة الإسلامية ليكون على غرار الجانب الآخر الموجود به بيمارستان قلاوون وجامع الناصر محمد وباقى آثاره الشهيرة حيث يقبل السياح على زيارة هذا الجانب ويتجاهلوا الجانب الآخر الموجود به أشهر الصناعات التراثية ومنها الخيامية والمغربلين وصناعات تحت الربع التى اشتهرت بصناعة فوانيس رمضان عبر التاريخ.
كما تقوم العديد من الجمعيات الأهلية بربوع مصر بإنتاج منتجات تراثية تقوم بتسويقها بشكل شخصى وهى منتجات متميزة من أشغال يدوية وصناعات غذائية، ووجود هيئة لرعاية والإشراف وتنمية هذه الصناعات كلها سيساهم بشكل كبير فى حسن استثمار كنز كبير لدى مصر يحتاج إلى منظومة حكومية لحسن استثماره حيث يشارك القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى هذه الصناعات بشكل رئيسى وهذا يشجّع الاتحاد الأوروبى والجهات المانحة على المساهمة فى تمويل هذه المشروعات المرتبطة بتنمية المجتمع المحلى وهناك دول خصصت وزارة لهذه الصناعات لحسن الاستفادة من كنوزها التراثية مثل الهند.