أبرز الأسباب التي حولت الهند من نموذج ناجح إلى بؤرة لانتشار كورونا
كانت الهند توزع الوعود على الجيران والأصدقاء بتقديم اللقاحات إليها باعتبارها صيدلية العالم، وفي إطار دبلوماسية لقاحات هندية تقول إنها أكثر كرماً وأقل تسيساً من الصين.
لكن بحلول أبريل/نيسان، ما حدث حقاً أن الأمور اتخذت منحى مختلفاً؛ إذ باتت الصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض جثثاً مكدسة في أماكن عامة اتَّخذت محارق مؤقتة للجثث لفرط أعدادها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وبينما شحَّت أسرة المستشفيات وأنابيب الأوكسجين، لجأ المرضى والأقارب الجَزِعون إلى السوق السوداء للأدوية، غير أن ذلك لم يمنع أيضاً موت أعداد كبيرة في المستشفيات بنقص الأوكسجين. وقد شهدت الأيام الأخيرة تجاوزاً مستمراً للأرقام القياسية لتفشي العدوى.
وفي دلهي، تصاعد الدخان من عشرات المحارق المضاءة داخل موقف للسيارات تحول إلى محرقة مؤقتة للجثث، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
والآن، مع تفشي الوباء إلى هذا الحد، وفيما تئن المستشفيات تحت ضغط الجائحة، ألقى كثيرون باللوم على الحكومة الهندية والعالم عموماً لفشلهم في وقف التصاعد الكارثي في أعداد المصابين والوفيات بالفيروس.
سر مأساة تفشي فيروس كورونا في الهند بهذا التوحش
لا يزال هذا السؤال يحيِّر الخبراء، فبالعودة إلى أوائل شهر فبراير/شباط، كانت أعداد الداخلين إلى المستشفيات في الهند تشهد تراجعاً، وكانت أعداد حالات الإصابة التي تبلغ الهند عنها يومياً تماثل الأعداد في ولاية نيويورك الأمريكية فقط تقريباً، على الرغم من أنها تزيد عنها في عدد السكان بنحو 20 مرة. وقال العلماء وقتها إن التفسير الوحيد هو انتشار المناعة من الفيروس، حسب صحيفة The Washington Post.
لكن الهند الآن أصبحت بؤرة الوباء العالمي وباعثاً محورياً لإثارة القلق الدولي فيما يتعلق بانتشار الفيروس. فقد أبلغت البلاد عن أكثر من 350 ألف حالة جديدة يوم الإثنين 26 أبريل/نيسان وحده، متجاوزة بذلك أعلى أرقام الإصابة اليومية لليوم الخامس على التوالي.
الشعب لم يكتسب المناعة كما قيل.. والفقراء قبل ذلك كانوا يموتون دون أن يأبه بهم أحد
وسجلت الهند، الثلاثاء، أكثر من 300 ألف حالة إصابة جديدة و2771 حالة وفاة جديدة. ومع ذلك، يعتقد خبراء الصحة أن الحصيلة الرسمية أعلى بكثير، مع اتهامات للولايات المكتظة بالسكان، مثل أوتار براديش وجوجارات، بتقليل عدد الوفيات والحالات الناجمة عن فيروس Covid-19.
ومع اكتظاظ معامل اختبار كوفيد في مدن مثل دلهي، لم يتمكن الكثير ممن يعانون من الأعراض من إجراء اختبار، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian.
جعل ذلك الخبراء يذهبون إلى أن المناعة في الهند ربما لم تكن منتشرة إلى الحد الذي كان يُعتقد سابقاً. ويجادل بعض العلماء بأن موجات العدوى المبكرة تفشَّت بدرجة أساسية بين الفقراء.
لكن التفشي الحالي يصل إلى الشرائح الأكثر ثراء التي بدأت لتوها في العودة إلى التواصل الاجتماعي مرة أخرى بعد الالتزام بالبقاء في المنازل والعزل الصحي خلال الموجة الأولى.
التجمعات الدينية والسياسية التي سمح بها رئيس الوزراء
وربما كان للتجمعات الكبيرة والفعاليات الجماعية التي انعقدت دور أيضاً: فقد انتُقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لقراراته برفع جميع القيود تقريباً وعقد تجمعات سياسية ضخمة الأعداد، كما ربط بعض الخبراء أكثر من 100 حالة إصابة بمهرجان ديني استقطب عشرات الآلاف من الحجاج الهندوس من جميع أنحاء البلاد.
وقال رامانان لاكسميناريان، عالم الأوبئة بجامعة برينستون الأمريكية، لدورية Nature العلمية، إن “ثمة رواية عامة انتشرت مفادها أن الهند تغلبت على فيروس كورونا، وزاد على ذلك اتجاه الناس إلى مزيد من التراخي بعد أن أطلقت حملة التطعيم في يناير/كانون الثاني. نتيجة لذلك، تخلى كثيرون عن حذرهم وعادوا إلى التزاور الاجتماعي والسفر وإقامة حفلات الزفاف الضخمة”.
حالة من الذعر تزيد الأمور سوءاً
وقالت منظمة الصحة العالمية أيضاً إن ضغطاً غير ضروري على نظام الرعاية الصحية في الهند من قِبَل الأشخاص الذين كانوا يذهبون إلى المستشفيات في حالة من الذعر عندما يمكنهم التعافي من Covid-19 في المنزل.
وأكد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق جاساريفيتش، أن حوالي 15 ٪ فقط من مرضى Covid-19 يحتاجون إلى العلاج في المستشفى، وحث على الفحص الفعال وفرز المرضى لضمان حصول الأشخاص على الرعاية التي يحتاجون إليها.
إجراءات الحكومة.. لا إغلاقات، وممنوع الاستغاثة
أتاحت الهند تلقي لقاح فيروس كورونا لأي شخص يزيد عمره على 18 عاماً بدايةً من مطلع مايو/أيار المقبل. كما اتجهت إلى الحد من كميات اللقاح المنتجة للتصدير وتحولت إلى التركيز على توزيع هذه الجرعات على المواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت بعض المدن والولايات عن العودة إلى قيود الإغلاق، ويشمل ذلك حظر التجول وحظر السفر وغيرهما من الأنشطة غير الضرورية.
لكن في غضون ذلك، قال مودي إن الإغلاق يجب أن يكون الملجأ الأخير، ورفض فكرة العودة إلى إعلان الإغلاق على مستوى البلاد.
من جهة أخرى، ترسل إدارة مودي أنابيب الأوكسجين على متن قطارات “أوكسجين إكسبرس” إلى أنحاء البلاد التي تواجه شحَّاً في الإمدادت، وبدأت في الاستعانة بالمخزونات العسكرية من المعدات الطبية. ونشرت الحكومة قوات الجيش في المستشفيات. لكنها أمرت وسائل التواصل الاجتماعي بحذف المنشورات المعارضة التي تلفت الانتباه إلى الأوضاع الكارثية في الهند، وهو ما يرى كثيرون أنه خطأ في تعيين الأولويات والتعامل معها.
لماذا يوجد نقص في إمدادات الأوكسجين؟
عادةً ما تستخدم المستشفيات والعيادات الطبية في الهند نحو 15% فقط من الأوكسجين السائل المنتج في البلاد. لكن في الآونة الأخيرة، ومع استفحال الأزمة، تحول ما يقرب من 90% من إجمالي إمدادات البلاد إلى مرافق الرعاية الصحية، بحسب ما قاله راجيش بوشان، مسؤول صحي كبير في الهند، لشبكة BBC.
ولما كانت بعض الولايات الهندية ليست لديها مصانع تمكِّنها من إنتاج الكميات التي تحتاج إليها من الأوكسجين السائل، فإنها يتعين عليها انتظار نقل الإمدادات بالشاحنات من أجزاء أخرى من البلاد. ويستغرق ملء ناقلة الأوكسجين ساعتين، وفقاً لبيانات شبكة BBC، ما أدى إلى اصطفاف طوابير الناقلات بأعداد كبيرة خارج محطات الأوكسجين.
بيد أنه ومع تزايد الطلب في المستشفيات المزدحمة بمرضى الفيروس، يقول النقاد إنه كان ينبغي أن تكون الحكومة أفضل استعداداً. وعلى الرغم من أن وزارة الصحة الهندية أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن خطةٍ لبناء المزيد من محطات الأوكسجين، فإن الواقع أنه حتى الآن لم يُقَم إلا 33 محطة من أصل 162 محطة.
ويقول راجابهاو شيندي، الذي يدير مصنعاً صغيراً لإنتاج أنابيب الأوكسجين في ولاية ماهاراشترا، لشبكة BBC: “لقد أخبرنا السلطات بأننا على استعداد لرفع قدرات الإنتاج، لكننا بحاجة إلى مساعدات مالية من أجل ذلك. لم يكن من المفترض أن تجري الأمور على هذا النحو. فكما يقول المثل: (احفر البئر قبل أن تعطش). لكن الهند لم تفعل ذلك”.